2- ذات الحقيبة الحمراء
راح المطر ينقر فوق غطاء الرأس الذي اعتمره مارك، كان يعظ منذ لحظات في الناس، والآن صار مجرد عجوز بظهر محني، يتقدم ببطء في أحد الأزقة وسط أكواخ مهجورة، ويشعر بألم في مفصل قدمه اليسرى، فقد جسده قوته بعد أن بلغ الثانية والسبعين، تصر تحت قدميه رمال جرفتها الأمطار التي سقطت خلال العقود الأخيرة من الجبل، يومًا كانت هذه الأقدام العارية تمشي فوق أحجار حارقة.
لا يبعد البيت الذي يسكنه مارك كثيرًا. بلغه، وهناك لاحظ بالتفاتة سريعة إلى الخلف أن الفتاة التي جلست في الصف الأول تلاحقه، تتبعه، هؤلاء الفتيات على استعداد أن تعطينه أي شيء. كان يعرف أنهن يبحثن من خلاله عن رجل لم يعد له وجود، رجل لا يعرفونه، لقد أحبوا فيه إيلي. كان مارك يعرف هذا، رغم ذلك لم يمنعهم، شعر معهم بالسعادة.
لكنه الآن يشعر بالإرهاق أكثر من أي وقت مضى، ربما السبب هو الطقس البارد الذي عرف طريقه إلى مناطق البحر المتوسط، فضلًا عن قدوم الخريف.
لاحظت أنه يعرفها، لحقت به دون تردد وهو عند عتبته بيته: “أتسمح لي بالدخول؟”.
لمح في صوتها لكنه بولندية أو ربما أوكرانية، أيًّا كانت، لا يهم. كل واحد هنا يتحدث بلكنة مختلفة، كانت تعلق على كتفها حقيبة حمراء كبيرة، يبدو أنها ابتاعتها في المدينة. خبأت شعرها الفاتح تحت قبعة زرقاء؛ أذهلتْهُ نظرتها المباشرة له، كانت تعرف مقصدها بكل دقة، بدت هشة وسط المطر، لكنها لم تكن كذلك. أومأ لها: “ادخلي!”.
كانت النيران ما زالت مستعرة في المدفأة، ودفع الهواء الساخن الجاف مارك كي ينسى آلام الشيخوخة: “من أين أنتِ؟ هل أنتِ من أتباع بيتر؟”، سألها وهو يخلع معطف المطر: “لم أركِ هنا من قبل”.
- “كنت أستمع إلى بيتر ذات يوم، لكني لست من أتباعه، أنا من سكان المدينة”.
نظر إليها في دهشة، وهي تخلع معطفها. رأى كتفيها الضيقتين، وانحناءات ثديين متوسطين. قال لنفسه: مِنَ المدينة إذن، هذه سمات أهل المدينة. ازدادت أعدادهم في الفترة الأخيرة. جاءوا، واستقروا فيها بعض الوقت، ثم عادوا إلى حياتهم السابقة مرة أخرى، لكن الناس تحدثوا عن أعدادهم المتزايدة هناك، وعن الجماعات التي يشكلونها. “هل أنتِ في إحدى هذه الجماعات؟”.