دومين: (ينظر إليها باهتمام) آه ـ طبعًا ـ نحن ـ الأمر كذلك بالفعل.
هيلينا: أنت تشك في؟
دومين: أنا سعيد يا آنسة ـ عفوًا ـ يا آنسة جلوري. أنا في الواقع سعيد جدًا ـ هل كانت رحلتك طيبة؟
هيلينا: نعم ـ لكن لماذا تسأل؟
دومين: لأن ـ أقصد ـ لأنكِ مازلت امرأة في مقتبل العمر.
هيلينا: هل سنذهب الآن إلى المصنع؟
دومين: بالطبع. أعتقد اثنا وعشرون، أليس كذلك
هيلينا: اثنا وعشرون ماذا؟
دومين: سنة.
هيلينا: واحد وعشرون. لماذا تريد أن تعرف؟
دومين: لأنني ـ (يتابع في لهفة) ستبقين عندنا فترة طويلة، أليس كذلك؟
هيلينا: حسب ما ستريني إياه من إنتاج المصنع؟
دومين: إنتاج غير مسبوق! بالتأكيد يا آنسة جلوري، سترين كل شيء. تفضلي بالجلوس من فضلك. هل ترغبين في معرفة تاريخ الاختراع؟
هلينا: نعم، أرجوك (تجلس).
دومين: إذن (يجلس عند الطاولة وهو يتابع هيلينا بانبهار، ثم يبدأ بسرعة في الحديث) بدأ هذا في عام 1920 عندما ذهب الفيلسوف العظيم المسن “روسوم” ـ وكان وقتها مازال عالمًا شابًا ـ إلى جزيرة بعيدة لدراسة الكائنات البحرية. حاول وقتها محاكاة التقليد الكيميائي للمادة الحية المسماة البروتوبلازما، إلى أن اكتشف فجأة مادة تشبه المادة الحية تمامًا، رغم أنها كانت ذات تركيبة كيميائية مختلفة. كان هذا عام 1932، بعد مرور أربعمائة وأربعين عامًا على اكتشاف أمريكا.
هيلينا: لديك ذاكرة جيدة.
دومين: نعم، إنه علم وظائف الأعضاء يا آنسة جلوري، وهذا ليس تخصصي، هل أواصل؟
هيلينا: طبعًا.
دومين: (على نحو احتفالي) حينئذ يا آنسة كتب العجوز روسوم صيغة كيميائية بهذا الشكل: “لقد توصلَت الطبيعة إلى طريقة لتنظيم المادة الحية. غير أنها طريقة مختلفة، أكثر بساطة وعملية، وأكثر سرعة مما عُرِف في الطبيعة قبل الآن. لقد اكتشفت اليوم هذا الطريق الجديد الذي من شأنه تطوير الحياة.” تخيلي يا آنسة أنه كتب كلمات بهذه الأهمية على مادة مخاطية هلامية، يتأفف منها الكلب. تخيليه وهو يجلس منكبًا في مختبره، ويفكر كيف يجعل منها شجرة كاملة للحياة، تخرج منها جميع الحيوانات، بدءًا من الحيوانات المجهرية المائية، وانتهاءً بالإنسان، بالإنسان نفسه. إنسان مخلوق من مادة مختلفة عما خلقنا منها نحن. لقد كانت لحظة عظيمة يا آنسة جلوري.
هيلينا: وفي النهاية؟
دومين: في النهاية؟ وقتها تعلق الأمر بخروج الحياة من أنبوبة الاختبار، وإسراع النمو، وخلق أعضاء، وعظام، وأعصاب وما شابه، والعثور على مواد مثل محفزات النمو، والإنزيمات، والهرمونات الخ. ببساطة، هل تفهمين ما أقوله؟
هيلينا: لا… لا أعرف، أعتقد أنني لا أفهم الأمر جيدًا.
دومين: أنا على العكس، لا أكاد أفهم شيئًا. أتعرفين، لقد استطاع بمساعدة تلك المستحضرات أن يصنع ما أراد. استطاع مثلًا أن يحصل على قنديل البحر بعقل مفكر، أو دودة الأرض طولها خمسين مترًا. ولأنه كان جادًا في الأمر فقد عقد العزم على أن يصنع كائنًا فقاريًا، أو ربما إنسانًا. وهكذا شرع في العمل.
هيلينا: في عمل ماذا؟
دومين: في عمل محاكاة الطبيعة. في البداية حاول خلق كلب. استغرق العمل في هذا الأمر عدة سنوات، أسفر عن خنزير صغير، سوف أريك إياه في المتحف. ثم شرع روسوم العجوز في خلق إنسان.
(صمت)
هيلينا: هل علىّ ألا أخبر أحدًا بهذا الأمر؟
دومين: لا تخبري به أحدًا على وجه الأرض.
هيلينا: خسارة، إنهم يكتبون عن الأمر في كل المنشورات.
دومين: خسارة بالتأكيد (ينهض من عند الطاولة، ويجلس بجوار هيلينا). لكن أتعرفين ما لم يكتبوا عنه بعد؟ (يضرب بيده على جبينه) أن العجوز روسوم مجنون رائع. صدقيني يا آنسة جلوري، احتفظي بهذا الأمر لنفسك. هذا العجوز المتطرف أراد أن يصنع بشرًا بالفعل.
هيلينا: لكنكم تفعلون ذلك بالفعل!
دومين: تقريبًا يا آنسة هيلينا. لكن العجوز روسوم كان يقصد أن يخلق إنسانًا بمعنى الكلمة. أتعرفين، لقد أراد بالفعل أن يلعب دور الخالق بطريقة علمية. لقد كان مؤمنًا بالفلسفة المادية بشكل مبالغ فيه، لذلك فعل ما فعله. كان يريد فقط أن يقدم دليلًا على عدم الجدوى من الإيمان بوجود إله. لذلك أراد أن يخلق إنسانًا مثلنا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هل تعرفين شيئًا عن علم التشريح؟
هيلينا: فقط، قليل القليل.
دومين: وأنا أيضًا. تخيلي أنه فكر في أن يصنع كل شيء، حتى أدق الشرايين. تمامًا كما هو الحال في الجسم البشري؛ الزائدة الدودية، واللوزتين، والصُرّة، وكل التفاصيل؛ حتى الغدد الجنسية.
هيلينا: لكن الغدد هذه ـ إنها..
دومين: ليست تفاصيل، أعرف ذلك. لكن إن كان في النية خلق بشر صناعية، فليس من الضروري ـ أقصد…
هيلينا: أنا أفهمك.
دومين: سوف تشاهدين في المتحف كل ما قام به على مدى عشرة أعوام. كان من المفترض أن يكون إنسانًا، لكنه لم يبق على قيد الحياة سوى ثلاثة أيام فقط. لم يكن لدى العجوز روسوم أية ذوق. ما قام به كان شيئًا بشعًا، شيئًا بشعًا للغاية. لكنه حمل في داخله كل ما يمتلكه الإنسان. هذا في الواقع عمل عجيب جدًا. حينئذ جاء إلى هنا المهندس روسوم، ابن أخو روسوم العجوز. إنه عبقري يا آنسة جلوري. ما أن اطلع على ما تفتق عنه ذهن روسوم العجوز قال: “هذا هراء أن تقوم بصناعة إنسان على مدى عشرة أعوام. فلو لم تصنعه أسرع من الطبيعة، فالأحرى بك أن تصرف النظر عن الأمر برمته.” ثم شرع بنفسه في دراسة علم التشريح.